المقال تم نشره على موقع independentarabia.com من طرف الصحفي محمد لهوازي .

المحتوى الرقمي يتأرجح بين التأثير والتهافت في الجزائر

مراقبون يدعون إلى ضرورة ضبطه عبر نصوص القانون بعد طغيان السلبي منه على المجتمع

يتأرجح واقع #المحتوى_الرقمي في #الجزائر بين #المؤثرين الذين ينشرون قيماً تعليمية ومعرفية نسبياً، وبين طغيان التهافت على السطحية والتفاهة بعد أن طغت شبكات التواصل الاجتماعي وأصبحت هاجس المواطن والسلطة على حد سواء.

ومع صعوبة التحكم في المحتوى الهائل المتداول على شبكة الإنترنت اختلط الحابل بالنابل في صناعة المحتوى، وأصبح من الصعوبة بمكان العثور على محتوى هادف يتم تحضيره وفق معايير احترافية قوامها الصدقية وتؤطرها مبادئ وقيم أخلاقية في المجتمع.

ويدعو مراقبون إلى ضرورة ضبط صناعة المحتوى الرقمي في الجزائر من خلال نصوص تشريعية بما أن الأمر يتعلق بشرائح واسعة مستهدفة، وأيضاً تصحيح المفاهيم القريبة من الواقع عبر الخوض في صناعة المحتوى وتأطيره أو إيجاد حلول لذلك، بعد طغيان المحتوى السلبي الرائج حالياً والذي لا يرقى إلى متطلبات الرأي العام والمجتمع بمفهومه السليم.

ولتشريح ظاهرة رواج المحتوى الرقمي في الجزائر احتضن قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة باتنة (شرق الجزائر) ملتقى علمياً دولياً حول فوضى صناعة المحتوى في البيئة الرقمية نظمه فريق بحث المحتوى الرقمي بالجزائر، وشهد مشاركة من جامعات جزائرية مختلفة ومشاركات من الأردن وفلسطين ولبنان وتونس وسوريا وتركيا وماليزيا والنمسا.

تحولات متسارعة

تقول رئيسة فريق بحث المحتوى الرقمي الأكاديمية مريم نريمان نومار إن “خيار الانطلاق من مفهوم الفوضى في نشاطاتنا التي تهتم بدرس المحتوى الرقمي لم يكن عشوائياً، إنما جاء بناء على ملاحظات وقراءات وتساؤلات وإشكالات كثيرة جعلتنا نحاول أن نضع الموضوع على طاولة النقاش لنحيط بمفهوم الفوضى وتجلياتها ومآلاتها وإمكانات السيطرة عليها حتى نتمكن من رؤية الموضوع من زاوية ناقدة، في ظل التحولات المجتمعية المتسارعة التي نشهدها”.

وأضافت لـ “اندبندنت عربية” أنه “مع تزايد عدد المؤثرين في البيئة الرقمية وتنوع محتواهم أصبح من المهم التساؤل حول طبيعة هذا المحتوى، بخاصة أننا أصبحنا في بيئة إعلامية لا مجال فيها للسيطرة عليه، كما من الصعب التنبؤ بالتغيرات التي من الممكن أن تحدث فيها أو التحكم في الرسائل ومضامينها وتأثيراتها”.

وأوضحت أنه “مع تشكل هذا المشهد العصي على الفهم والسيطرة بشكل دقيق ظهر عدد من الآراء حوله، فبينما وصفه بعضهم بعصر إنتاج وصناعة التفاهة، تفاءل آخرون بمن اصطلح على تسميتهم بالمؤثرين تحديداً في المجال التسويقي والتعليمي والترويج السياحي على سبيل المثال لا الحصر، إذ نجد أن النظرة التشاؤمية في الواقع ليس بالنظر فقط إلى ما يقوم به المؤثر من تصرفات وإنما ما يقدمه من مضمون خال تماماً من المعنى ومن القيمة في كثير من الأحيان، مما يسهم في نشر الابتذال والإغراق في التسلية، وهو ما من شأنه أن يؤثر في التركيبة الشخصية للفرد وكذا في عقله وتفكيره”.

خصوصية غائبة

وأشارت نومار إلى أن “حياة المرأة أصبحت معروضة يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي في غياب الخصوصية بشكل يؤثر في مكانتها المجتمعية، ووقعت فريسة التقليد الأعمى وبالتالي وجود شرخ كبير بين الواقع وما هو متداول عبر الفضاء الافتراضي”.

وتابعت، “وفقاً لموقع (emotion matters) تشير الدراسات إلى أن 88 في المئة من النساء يقارن أنفسهن بالصور التي يرينها على حسابات المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، وتؤكد نصفهن أن نتائج المقارنة غير سارة، فيما يفعل الأمر نفسه 65 في المئة من الرجال، بينهم 37 في المئة يرون أن حصيلة المقارنة غير مرضية”.

وعن فائدة الملتقى نوهت إلى أنه يستهدف مكافحة التهافت المعمول به من قبل بعض صناع المحتوى الباحثين عن الشهرة بغض النظر عن الوسيلة والأسلوب والمضمون، وفي المقابل يسعى إلى إطلاق مشاريع تدعيمية تهتم بصناعة المحتوى الثقافي الرقمي، إضافة إلى وضع آليات عملية للحماية الفكرية لصناع المحتوى الثقافي الرصين، وتربية الطفل إعلامياً وتكنولوجياً حتى يتعلم طرق اختيار المحتوى الهادف ونقد المحتويات الهابطة.

وأشارت إلى ضرورة تأهيل الكوادر العربية لإنتاج المحتوى الرقمي الثقافي والإبداعي من خلال برامج تعليمية تطبق في الفصول التعليمية والجامعية، ودورات تدريبية وإطلاق برامج توعوية من خلال وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية حول ضرورة الحفاظ على الثقافة ومجابهة الثقافات الدخيلة، وإعداد إستراتيجيات “تحصين ثقافي” لمستخدمي ومتابعي شبكات التواصل حرصاً على القيم المجتمعية وتضافر الجهود الأكاديمية من باحثين في التربية والاجتماع والإعلام، لتبيان أخطار الفوضى الإلكترونية واستخداماتها لدى الجيل الجديد في المدارس والمنتديات الشبابية.

خيار حتمي

من جهته أرجع الأكاديمي المتخصص في الصحافة وعلوم الإعلام سمير عرجون أسباب رواج المحتوى الرقمي الهابط في الجزائر إلى غياب وسائل الإعلام وتراجع دورها في المجتمع وتركها الساحة لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تحدد الأولويات في البلاد، حتى إن وسائل الإعلام بات بعضها يستقي مصدر معلوماته منه على ما بها من عوار وقصور على الصعد كافة.

ويرى عرجون أن الدخول إلى المجتمع الرقمي أصبح خياراً لا مفر منه، وشدد على ضرورة تطوير محتوى رقمي هادف للأجيال الحالية، مؤكداً أن صناع المحتوى لديهم مسؤولية لتأدية رسالة نبيلة داخل المجتمع.

وأشار إلى أن الجمهور يستهلك المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي بطريقة عاطفية ويهتم بالجانب الفردي أكثر من المعلومات التي تهم المجتمع، مضيفاً أنه يتوجب على السلطات المعنية تحضير ترسانة قوانين خاصة لضبط المحتوى الرقمي عبر معايير وضوابط معينة تتماشى ومبادئ وقيم المجتمع، ولا ينبغي غض الطرف عن مجال صناعة المحتوى الرخيص الذي يهدف إلى ضرب هذه القيم.

المصدر: www.independentarabia.com